الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
هو السلطان الملك العادل بدر الدين سلامش ابن السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري الصالحي النجمي السادس من ملوك الترك بمصر. تسلطن بعد خلع أخيه الملك السعيد أبي المعالي ناصر الدين محمد بركة خان باتفاق الأمراء على سلطنته وجلس على سرير الملك في يوم الأحد سابع عشر شهر ربيع الأخر سنة ثمان وسبعين وستمائة وعمره يوم تسلطن سبع سنين. وجعلوا أتابكه ومدبر مملكته الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي النجمي. وضربت السكة على أحد الوجهين باسم الملك العادل سلامش هذا وعلى الوجه الآخر اسم الأمير قلاوون وخطب لهما أيضًا على المنابر. واستمر الأمر على ذلك وصار الأمير قلاوون هو المتصرف في الممالك والعساكر والخزائن ولم يكن لسلامش في السلطنة مع قلاوون إلا مجرد الاسم فقط. وأخذ قلاوون في الأمر لنفسه. فلما استقام له الأمر دخل إليه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ووافقه على السلطنة وأخفى ذلك لكونه كأن خشداشه وكان الأمير عز الدين أيدمر نائب الشام عاد إلى الشام بمن معه بعد خلع الملك السعيد فوصل إلى دمشق يوم الأحد مستهل جمادى الأولى فخرج لتلقيه من كان تخلف بدمشق من الأمراء والجند والمقدم عليهم الأمير جمال الدين آقوش الشمسي. وكان قلاوون قد كاتب آقوش في أمر أيدمر هذا والقبض عليه فلما وصلوا إلى مصلى العيد بقصر حجاج احتاط الأمير جمال الدين آقوش الشمسي والأمراء الذين معه على الأمير أيدمر نائب الشام وأخذوه بينهم وفرقوا بينه وبين عسكره الذين حضروا معه من الديار المصرية ودخلوا إلى دمشق من باب الجابية ورسموا عليه بدار في دمشق ثم نقلوه إلى قلعة دمشق واعتقلوه بها. وكان الملك السعيد قبل أن يخرج من الشام سلم قلعة دمشق للأمير علم الدين سنجر الدويداري وجعله النائب عنه أيضًا في البلد. ثم أرسل قلاوون جمال الدين آقوش الباخلي وشمس الدين سنقر جاه الكنجي إلى البلاد الشامية وعلى يدهم نسخة الأيمان بالصورة التي استقر الحال عليها بمصر وأحضروا الأمراء والجند والقضاة والعلماء وأكابر البلد للحلف وكان معهم نسخة بالمكتوب المتضمن خلع الملك السعيد وتولية الملك العادل سلامش فقرئ ذلك على الناس وحلفوا واستمر الحلف أيامًا. ثم إن الأمير قلاوون ولى خشداشه الذي اتفق معه على السلطنة وهو الأمير شمس الدين سنقر الأشقر نيابة الشام وأعمالها فتوجه سنقر الأشقر إليها ودخلها يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة من سنة ثمان وسبعين المذكورة بتحمل زائد فكان موكبه يضاهي موكب السلطان وعند وصوله إلى دمشق أمر الأمير علم الدين سنجر الدويداري بالنزول من قلعة دمشق فنزل في الحال. وصفا الوقت للأمير قلاوون بمسك أيدمر نائب الشام وبخروج سنقر الأشقر من الديار المصرية وانبرم أمره مع الأمراء والخاصكية واتفقوا معه على خلع الملك العادل سلامش من السلطنة وتوليته إياها. فلما كان يوم الثلاثاء حادي عشرين شهر رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة اجتمع الأمراء والقضاة والأعيان بقلعة الجبل وخلعوا الملك العادل بدر الدين سلامش من السلطنة لصغر سنه وتسلطن عوضه أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي النجمي ونعت بالملك المنصور على أنه كان هو المتصرف في المملكة منذ خلع الملك السعيد وتسلطن الملك العادل سلامش ولم يكن لسلامش في أيام سلطنته غير الاسم وقلاوون هو الكل وكان عم سلطنة قلاوون قبل سلامش أنه خاف ثورة المماليك الظاهرية عليه فإنهم كانوا يوم ذاك هم معظم عسكر الديار المصرية وأيضًا كانت بعض القلاع في يد نواب الملك السعيد فلما مهد أمره تسلطن. ولما بلغ سنقر الأشقر سلطنة قلاوون داخله الطمع في الملك وأظهر العصيان على ما سيأتي ذكره في ترجمة الملك المنصور قلاوون إن شاء الله تعالى. وكانت مدة سلطنة الملك العادل بدر الدين سلامش على مصر ثلاثة أشهر تنقص ستة أيام. ولزم الملك العادل سلامش داره عند أمه إلى أن أرسله الملك المنصور قلاوون إلى الكرك فأقام به عند أخيه الملك خضر مدة ثم رسم الملك المنصور بإحضاره إلى القاهرة فحضر إليها وبقي خاملا إلى أن مات الملك المنصور قلاوون وتسلطن من بعده ولده الملك الأشرف خليل بن قلاوون جهزه وأخاه الملك خضرًا وأهله إلى مدينة اسطنبول بلاد الأشكري فأقام هناك إلى أن توفي بها في سنة تسعين وستمائة. وكان شابًا مليحًا جميلًا تام الشكل رشيق القد طويل الشعر ذا حياء ووقار وعقل تام. مات وله من العمر قريب من عشرين سنة قيل: إنه كان أحسن أهل زمانه وبه افتتن جماعة من الناس وشبب به الشعراء وصار يضرب به المثل في الحسن حتى يقول القائل: ثغر سلامشي. انتهت ترجمة الملك العادل سلامش رحمه الله. السنة التي حكم فيها الملك السعيد ثم حكم من سابع عشر شهر ربيع الآخر إلى حادي عشرين شهر رجب الملك العادل سلامش. ثم في باقيها الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي وهي سنة ثمان وسبعين وستمائة. فيها كان خلع ولدي الملك الظاهر بيبرس من السلطنة: الملك السعيد محمد بركة خان والملك العادل بدر الدين سلامش وتسلطن بعد سلامش الأمير قلاوون. وقد تقدم ذكر ذلك كله. وفيها توفي الفقيه المحدث صفي الدين أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن يحيى الشقراوي الحنبلي ولد بشقراء من ضياع برزة من عمل دمشق سنة خمس وستمائة. ومات بدمشق في ذي الحجة وكان فاضلًا فقيها سمع الكثير وحدث. . وفيها توفي الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله الركني المعروف بالطباخ أحد أكابر أمراء دمشق عاد من تجريدة سيس مريضًا ومات بحلب ونقل إلى حمص فدفن عند قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه. والركني: نسبة إلى أستاذه الأمير ركن الدين بيبرس الصالحي النجمي الذي لقي الفرنج بأرض غزة وكسرهم وهو غير الملك الظاهر بيبرس. وفيها توفي الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله الشهابي السلحدار كان أيضًا في تجريدة سيس وعاد مريضًا وتوفي بحماة ثم نقل إلى دمشق ودفن عند خشداشه أيدكين الشهابي نسبة إلى الطواشي شهاب الدين رشيد الخادم الصالحي الكبير وهو أستاذهما. وفيها توفي الأمير نور الدين أبو الحسن علي بن عمر بن مجلي الهكاري كان من أجل الأمراء وأعظمهم ولي نيابة حلب وكان حسن السيرة عالي الهمة كريم الأخلاق شجاعًا مقدامًا عارفًا مدبرًا معظمًا في الدول. مات بعد عزله عن نيابة حلب في مرض موته باستعفائه عنها بها في شهر ربيع الآخر ودفن بها وقد نيف على السبعين سنة رحمه الله تعالى. وفيها توفي جمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي المنصور بن أبي الفتح ابن رافع بن علي الحراني الحنبلي المعروف بابن الصيرفي كان إمامًا فقيهًا عالمًا مفتنًا في الفقه متبحرًا فيه كثير الإفادة وأفتى ودرس وانتفع به الطلبة ومات في صفر. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي السلطان الملك السعيد ناصر الدين محمد ابن الظاهر بالكرك في ذي القعدة وله عشرون سنة وأشهر. والمسند أبو العباس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الحداد الحنبلي يوم عاشوراء. والإمام جمال الدين يحيى بن أبي المنصور بن الصيرفي الحراني في صفر وله خمس وتسعون سنة. وصفي الدين إسحاق بن إبراهيم الشقراوي. وفاطمة بنت الملك المحسن ببزاعة. واحدة. سلطنة الملك المنصور سيف الدين قلاوون على مصر السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي وأبو الفتح قلاوون بن عبد الله الألفي التركي الصالحي النجمي السابع من ملوك الترك بالديار المصرية والرابع ممن مسه الرق. ملك الديار المصرية بعد خلع الملك السعيد وصار مدبر مملكة الملك العادل بدر الدين سلامش إلى أن خلع سلامش وتسلطن الملك المنصور قلاوون هذا من بعده في حادي عشرين وقيل عشر شهر رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة وجلس على سرير الملك بأبهة السلطنة وشعار الملك وتم أمره. ولما استقل بالمملكة أمسك جماعة كثيرة من المماليك والأمراء الظاهرية وغيرهم واستعمل مماليكه على البلاد والقلاع فلم يبلع ريقه حتى خرج عليه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر نائب دمشق فإنه لما وصل إليه البريد إلى دمشق بسلطنة المنصور قلاوون في يوم الأحد سادس عشري رجب وعلى يده نسخة يمين التحليف للأمراء والجند وأرباب الدولة وأعيان الناس فأحضروا إلى دار السعادة بدمشق وحلفوا إلا الأمير سنقر الأشقر نائب الشام فإنه لم يحلف ولا رضي بما جرى من خلع سلامش وسلطنة قلاوون فلم يلتفت أهل دمشق إلى كلامه. وخطب بجامع دمشق للملك المنصور قلاوون وجوامع الشام بأسرها خلا مواضع يسيرة توقفوا ثم خطبوا بعد ذلك. وأما الملك المنصور قلاوون فإنه في شهر رمضان عزل الصاحب برهان الدين السنجاري عن الوزارة بالديار المصرية وأمره بلزوم مدرسة أخيه قاضي القضاة بدر اللين السنجاري بالقرافة الصغرى واستقر مكانه في الوزارة الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالديار المصرية وتولى عوضه صحابة الديوان القاضي فتح الدين محمد ابن القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وهو أول كاتب سر كان في الدولة التركية وغيرها وإنما كانت هذه الوظيفة في ضمن الوزارة والوزير هو المتصرف في الديوان وتحت يده جماعة من الكتاب الموقعين وفيهم رجل كبير كتائب كاتب السر الآن سمي في الآخر صاحب ديوان الإنشاء. ومن الناس من قال: إن هذه الوظيفة قديمة واستدل بقول صاحب صبح الأعشى وغيره ممن كتب للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده ورد على من قال ذلك جماعة أخر وقالوا: ليس في ذكر من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلفاء دلالة على وظيفة كتابة السر وإنما هو دليل لكل كاتب كتب لملك أو سلطان أو غيرهما كائنًا من كان فكل كاتب كتب عند رجل يقول: هو أنا ذاك الكاتب وإذا الأمر احتمل واحتمل سقط الاحتجاج به. ومن قال: إن هذه الوظيفة ما أحدثها إلا الملك المنصور قلاوون فهو الأصح ونبين ذلك إن شاء الله تعالى. في أواخر هذه الترجمة وذكر من ذكره صاحب صبح الأعشى وغيره من الكتاب من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على سبيل الاختصار. انتهى. وقد خرجنا عن المقصود. وأما سنقر الأشقر فإنه في يوم الجمعة رابع عشري ذي القعدة من السنة ركب من دار السعادة بدمشق بعد صلاة العصر ومعه جماعة من الأمراء والجند وهم رجالة وهو راكب وحده وقصد القلعة من الباب الذي يلي المدينة فهجمها بمن كان معه وطلعها وجلس بها من ساعته وحلف الأمراء والجند ومن حضر وتسلطن وتلقب بالملك الكامل ونادت المنادية في المدينة بسلطنته واستقلاله بالمماليك الشامية وفي بكرة يوم السبت خامس عشرين ذي القعدة طلب القضاة والعلماء ورؤساء البلد وأكابره وأعيانه إلى مسجد أبي الدرداء رضي الله عنه بقلعة دمشق وحلفهم وحلف بقية الناس على طاعته ثم وجه العساكر في يوم الأربعاء تاسع عشرينه إلى بلاد غزة الحفظ البلاد ومغلها ودفع من يأتي إليها من الديار المصرية. وخرجت سنة ثمان واستهلت سنة تسع وسبعين والملك المنصور سلطان مصر والملك الكامل شمس الدين سنقر الأشقر سلطان دمشق وما والاها وصاحب الكرك الملك المسعود خضر ابن الملك الظاهر بيبرس وصاحب حماة والمعرة الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك تقي الدين محمود الأيوبي والعراق والجزيرة والموصل وإربل وأذربيجان وديار بكر وخلاط وخراسان والعجم وما وراء ذلك بيد التتار والروم وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول وصاحب مكة شرفها الله تعالى الشريف نجم الدين أبو نمي الحسني وصاحب المدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام الأمير عز الدين جماز بن شيحة الحسيني ذكرنا هؤلاء تنبيهًا للناظر في الحوادث الآتية ليكون فيما يأتي على بصيرة. انتهى. ثم إن السلطان الملك المنصور قلاوون في أول سنة تسع وسبعين وستمائة المذكورة جهز عسكرًا لغزة فلما قاربوها لقيهم عسكر الملك الكامل سنقر الأشقر وقاتلوهم حتى نزحوهم عنها وأنكسر العسكر المصري وقصد الرمل واطمأن الشاميون بغزة ونزلوا بها ساعة من النهار وكانوا في قلة فكر عليهم عساكر الديار المصرية ثانيا وكبسوهم ونالوا منهم منالًا كبيرًا ورجع عسكر الشام منهزمًا إلى مدينة الرملة. وأما الملك الكامل سنقر الأشقر فإنه قدم عليه بدمشق الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا ملك العرب بالبلاد الشرقية والشمالية ودخل على الكامل وهو على السماط فقام له الكامل فقبل عيسى الأرض وجلس عن يمينه فوق من حضر. ثم وصل إلى الملك الكامل أيضًا الأمير شهاب الدين أحمد بن حجي بن يزيد ملك العرب بالبلاد الحجازية فأكرمه الملك الكامل غاية الإكرام. وأما الملك المنصور لما بلغه ما وقع لعسكره بغزة جهز عسكرًا آخر كثيفًا إلى دمشق لقتال الملك الكامل سنقر الأشقر ومقدمهم الأمير علم الدين سنجر الحلبي وخرجوا من مصر وساروا إلى جهة الشام فصار عسكر دمشق الذي بالرملة كلما تقدم العسكر المصري منزلة إلى أن وصل أوائلهم إلى دمشق في أوائل صفر. وفي يوم الأربعاء ثاني عشر صفر المذكور خرج الملك الكامل من دمشق بنفسه بجميع من عنده من العساكر وضرب دهليزه بالجسورة وخيم هناك بجميع الجيش واستخدم المماليك وأنفق الأموال وجمع خلقًا عظيمًا وحضر عنده عرب الأميرين: ابن مهنا و ابن جحي ونجدة حلب ونجدة حماة مقدمهما الملك الأفضل نور الدين علي أخو صاحب حماة ورجالة كثيرة من جبال بعلبك ورتب العساكر والأطلاب بنفسه وصف العساكر ميمنة وميسرة ووقف هو تحت عصائبه وسار العسكر المصري أيضًا بترتيب هائل وعساكر كثيرة والأطلاب أيضا مرتبة والتقى الجيشان في يوم الأحد سادس عشر صفر وقت طلوع الشمس في المكان المذكور وتقاتلا أشد قتال وثبت كل من الطائفتين ثباتًا لم يسمع بمثله إلا نادرًا لا سيما الملك الكامل سنقر الأشقر فإنه ثبت وقاتل بنفسه قتالًا شديدًا واستمر المصاف بين الطائفتين إلى الرابعة من النهار ولم يقتل من الفريقين إلا نفر يسير جدًا وأما الجراح فكثيرة. فلما كانت الساعة الرابعة من النهار خامر أكثر عسكر دمشق على الملك الكامل سنقر الأشقر وغمروا به وانضافوا إلى العسكر المصري وكان لما وقع العين على العين قبل أن يلتحم القتال انهزم عساكر حماة وتخاذل عسكر الشام على الكامل فمنهم: من دخل بساتين دمشق واختفى بها ومنهم من دخل دمشق راجعًا ومنهم من ذهب إلى طريق بعلبك فلم يلتفت الملك الكامل لمن ذهب منه من العساكر وقاتل فلما انهزم عنه من ذكرنا في حال القتال ضعف أمره ومع هذا استمر يقاتل بنفسه ومماليكه إلى أن رأى الأمير عيسى بن مهنا الهزيمة على الملك الكامل أخذه ومضى به إلى الرحبة وأنزله عنده ونصب له بيوت الشعر. وأما الأمير شهاب الدين أحمد بن حجي فإنه دخل إلى دمشق بالأمان ودخل في طاعة الملك المنصور قلاوون. وأما عساكر الشام فإنهم اجتمعوا على القصب من عمل حمص ثم عاد أكثر الأمراء إلى جهة دمشق وطلبوا الأمان من مقدم العساكر المصرية الأمير علم الدين سنجر الحلبي. وأما العساكر المصرية فإنهم ساقوا من وقتهم إلى مدينة دمشق وأحاطوا بها ونزلوا بخيامهم ولم يتعرضوا للزحف وراسلوا من بالقلعة إلى العصر من ذلك النهار وفتح من المدينة باب الفرج ودخل منه إلى دمشق بعض مقدمي الجيش ثم طلب من بالقلعة الأمان فأمنهم سنجر الحلبي ففتحت القلعة فدخلوا إليها من الباب الذي داخل المدينة وتسلموها بالأمان وأفرجوا عن جماعة كثيرة من الأمراء وغيرهم كان اعتقلهم سنقر الأشقر منهم: الأمير ركن الدين بيبرس العجمي المعروف بالجالق والجالق: اسم للفرس الحاد المزاج باللغة التركية والأمير حسام الدين لاجين المنصوري والقاضي تقي الدين توبة التكريتي وغيرهم. وكتب الأمير علم الدين سنجر الحلبي بالنصر إلى الملك المنصور قلاوون فسر المنصور بذلك ودقت البشائر لذلك أياما بالديار المصرية وزينت القاهرة ومصر. وأما سنجر المصري فإنه لما ملك دمشق وقلعتها جهز في الحال قطعة جيدة من الجيش المصري تقارب ثلاثة آلاف فارس في طلب سنقر الأشقر ومن معه من الأمراء والجند. ثم حضر جواب الملك المنصور قلاوون بسرعة يتضمن: بأننا قد عفونا عن جميع الناس الخاص والعام أرباب السيوف والأقلام وأمناهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وحضر التشريف للأمير حسام الدين لاجين المنصوري السلحدار بنيابة دمشق فلبس الخلعة وقبل الأرض ثم أردف الأمير سنجر الحلبي العسكر الذي كان توجه لقتال سنقر الأشقر بعسكر آخر مقدمه الأمير عز الدين الأفرم فلحق بمن كان توجه قبله وسار الجميع في طلب سنقر الأشقر. فلما بلغ سنقر ذلك رحل عن عيسى بن مهنا وتوجه في البرية إلى الحصون التي كانت بقيت في يد نوابه فتحصن هو ومن معه بها في أواخر الشهر المذكور وهي: صهيون كان بها أولاده وخزائنه ودخلها هو أيضًا وبلاطنس وحصن برزيه وحصن عكار وجبلة واللاذقية وغيرها ثم عادت العساكر إلى دمشق وترددت الرسل بينهم وبين سنقر الأشقر. وبينما هم في ذلك وردت الأخبار في أوائل جمادى الآخرة أن التتار قصدوا البلاد الشامية فخرج من كان بدمشق من العساكر الشامية والمصرية ومقدمهم الأمير ركن الدين إياجي ولحقهم العساكر الذين كانوا في طلب سنقر الأشقر ونزل الجميع بظاهر حماة وكانوا كاتبوا الملك المنصور قلاوون بمجيء التتار. فجهز إليهم في الحال عسكرًا عليه الأمير بدر الدين بكتاش النجمي فلحق بهم الأمير بكتاش المذكور بمن معه من العسكر المصري واجتمع الجميع على حماة وأرسلوا وأرسلوا كشافة في العشر الأوسط من جمادى الآخرة إلى بلاد التتار. هذا وقد جفل غالب من بالبلاد الشامية وخرجوا عن دورهم ومنازلهم ولم يبق هناك إلا من عجز عن الحركة. وكان سبب حركة التتار أنهم لما سمعوا اختلاف الكلمة وظنوا أن سنقر الأشقر بمن معه يتفق معهم على قتال الملك المنصور قلاوون. فأرسل أمراء العساكر المصرية إلى سنقر الأشقر يقولون له: هذا العدو قد دهمنا وما سببه إلا الخلف بيننا وما ينبغي هلاك الإسلام والمصلحة أننا نجتمع على دفعه فامتثل سنقر ذلك وأنزل عسكره من صهيون وأمر رفيقه الحاج أزدمر أن يفعل كذلك من شيزر وخيمت كل طائفة تحت قلعتها ولم يجتمعوا بالمصريين غير أنهم اتفقوا على اجتماع الكلمة ودفع العدو المخذول عن الشام. واستمروا على ذلك إلى يوم الجمعة حادي عشرين جمادى الآخرة حيث وصل طائفة كبيرة من عساكر التتار إلى حلب بعد أن ملكوا عين تاب وبغراس والمربساك ودخلوها من غير مانع يمنعهم عنها وأحرقوا الجوامع والمساجد والمدارس المعتبرة ودار السلطنة ودور الأمراء وأفسدوا إفسادًا كبيرًا على عادة أفعالهم القبيحة وأقاموا بها يومين على هذه الصورة ثم رحلوا عنها في يوم الأحد ثالث عشرينه راجعين إلى بلادهم بعد أن تقدمتهم الغنائم التي كسبوها وكان شيئًا كثيرًا. وكان سبب رجوعهم ما بلغهم أمن اتفاق الطائفتين على قتالهم ولما بلغهم من اهتمام الملك المنصور صاحب حلب وخروجه بالعساكر من الديار المصرية. وقيل في رجوعهم وجه آخر وهو أن بعض من كان استتر بحلب يئس عن نفسه من الحياة فطلع منارة الجامع وكبر بأعلى صوته على التتار وقال: جاء النصر من عند الله وأشار بمنديل كان معه إلى ظاهر البلد وأوهم أنه أشار به إلى عسكر المسلمين وجعل يقول في خلال ذلك: اقبضوهم من البيوت وأما سنقر الأشقر فإن جماعة من الأمراء والأعيان الذين كانوا معه فروا إلى العسكر المصري ودخلوا تحت طاعة الملك المنصور قلاوون. وأما الملك المنصور قلاوون فإنه لما طال عليه أمر سنقر الأشقر وأمر التتار جمع أعيان مملكته في هذا الشهر بقلعة الجبل وجعل ولده الأمير علاء الدين عليًا ولي عهده ولقبه الملك الصالح وخطب له على المنابر. ثم تجهز السلطان وخرج من الديار المصرية بعساكره وسار حتى وصل إلى غزة بلغه رجوع العدو المخذول فأقام بالرملة وتوقف عن التوجه إلى دمشق لعدم الحاجة إلى ذلك وقصد تخفيف الوطأة عن البلاد وأهلها. ثم رحل يوم الخميس عاشر شعبان راجعًا من الرملة إلى الديار المصرية فدخلها وأقام بها أقل من أربعة أشهر. ثم بدا له التوجه إلى الشام ثانيا فتجهز وتجهزت عساكره وخرج بهم من مصر في يوم الأحد مستهل ذي الحجة قاصدًا الشام وترك ولده الملك الصالح عليًا يباشر الأمور عنه بالديار المصرية. وسار الملك المنصور قلاوون حتى وصل إلى الروحاء من عمل الساحل ونزل عليها في يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة وأقام قبالة عكا فراسلته الفرنج من عكا في تجديد الهدنة فإنها كانت انقضت مدتها وأقام بهذه المنزلة حتى استهلت سنة ثمانين وستمائة رحل عنها يوم الخميس عاشر المحرم. ونزل اللجون وحضر رسل الفرنج بها بحضرة الأمراء وسمعوا رسالة الفرنج فاستشارهم السلطان فحصل الاتفاق على الهدنة وحلف لهم الملك المنصور على الصورة التي وقع الاتفاق عليها وانبرم الصلح وانعقدت الهُدْنة في يوم الأحد ثالث عشر المحرم. ثم قَبَض الملك المنصور على الأمير كَوُندَك الظاهري وعلى جماعة من الأمراء الظاهريّة لمصلحة اقتضاها الحال. وعند قَبْضهم هرب الأمير سيف الدين بَلَبَان الهارُونيّ ومعه جماعةُ وقصدوا صِهْيَوْن إلى عند سنقر الأشقر ورُكِبت الخيل في طلبهم فلم يدركوهم ثم هرب الأمير أَيْتَمُش السعديٌ أيضًا ومعه جماعةٌ إلى صِهْيَوْن من منزلة خَرِبة اللّصوص. ثم سار الملك المنصور إلى دِمَشق فدخلها في يوم السبت تاسع عشره وأقام بدِمَشق إلى أن قَدِم عليه في صفر الملك المنصور محمد صاحب حَمَاة فخرج الملك المنصور قلاوون لتَلقّيه وأكرمه. ثم تردًدت الرسل بين السلطان الملك المنصور قلاوون وبين سُنْقُر الأشقر في تقرير قواعد الصلح. فلما كان يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول من! شة ثمانين وستمائة وصل من جهة سنقر الأشقر الأمير علم الدين سَنْجَر الدواداري ومعه خازِنْدار سُنْقر الأشقر في معنى الصلح والوقوف على اليمين فحلف الملك المنصور قلاوون يوم الاثنين خامسه ونادت المنادِيةُ في دِمَشق بآنتظام الصلح وآجتماع الكلمة فَرَجع رسل سُنْفر الأشقر ومعهم الأمير فخر الدين إيازالمُقْرىء ليحضُريمين سُنْقر الأشقر فحلفه وعاد إلى دمشق يوم الاثنين ثاني عشره فضُرِبت البشائر بالقلعة وسُر الناس بذلك غايةَ السرور. وصورة ما انتظم الصلح عليه أن سُنْقر الأشقر يَرْفع يده عن شَيْزَر ويسلَمها إلى نواب الملك المنصور قلاوون وعَوّضه قلاوون عنها فامِيَةَ وكَفَرْطَاب وأنطاكِيةَ والسُّويدِية وبَكَاس ودَرْكُوش بأعمالها كلهّا وعدّة و ضِياع معروفة وأن يُقيم على ذلك وعلى ماكان آستقر بيده عند الصلح وهو صِهْيونَ وبَلاطنُس وحِصْن بَرْزَةَ وجَبَلَة واللأَذِقية بستمائة فارس ألنصرة الإِسلام وأنه يُسَلم الأمر إلى الملِك المنصور قلاوون وخوطِب سُنْقُر الأشقر في مكاتباته بالمَقَرّ العالي المولوي السَّيدي العالمي العالمي العادلي الشمسي ولم يُصرح في مخاطباته بالملك ولا بالأمير وكان يُخاطَب قبل ذلك في مكاتباته من الملك المصور قلاوون: ا إلى الجناب العالي الأميرِي الشمسيّ اِنتهى. وبينما السلطان في ذلك ورَدَ عليه مجيء التَتار إلى البلاد الشامية وهو بدَمشق فتهيأ لقتالهم وأرسل يطلب العساكر المصرية وبعد قليل حضرت عساكر مصر إلى دِمَشق وآجتمعت العساكر عند السلطان ولم يتأخر أحدٌ من الترْكمان والعُرْبان وسائر الطوائف. ووصل الخبُر بوصول التّتار إلى أطراف بلاد حلب فخلت حلب من أهلها وجُنْدها ونزحوا إلى جهة حَمَاة وحِمْص وتركوا الغلال والحواصل والأمتعة وخرجوا جرائدَ على وجوههم ثم ورد الخبر بوصول مَنْكُوتَمُر بن هولاكو مَلِك التتار إلى عين تاب وما جاورها في يوم الأحد سادس عشرين جُمادى الآخرة فخرج الملك المنصور قلاوون بعساكره في يوم الأحد المذكور وخيم بالمرج ووصل التتار إلى بغراس فقدم الملك المنصور عسكره أمامه ثم سافر هو بنفسه في سلخ جمادى الآخرة المذكور وسار حتى نزل السلطان بعساكره على حمص في يوم الأحد ثالث عشرين شهر رجب وراسل سنقر الأشقر بالحضور إليه بمن معه من الأمراء والعساكر وكذلك الأمير أيتمش السعدي الذي كان هرب من عند السلطان لما قبض على الأمراء الظاهرية فامتثل سنقر الأشقر أمر السلطان بالسمع والطاعة وركب من وقته بجماعته وحضر إلى عند الملك المنصور قلاوون واستحلفه لأيتمش السعدي يمينًا ثانية ليزداد طمأنينة ثم أحضره وتكامل حضورهم عند السلطان. وعامل السلطان سنقر الأشقر بالاحترام التام والخدمة البالغة والإقامات العظيمة والرواتب الجليلة. وشرعت التتار تتقدم قليلًا قليلًا بخلاف عادتهم فلما وصلوا حماة أفسدوا بنواحيها وشغثوا وأحرقوا بستان الملك المنصور صاحب حماة وجوسقه وما به من الأبنية. واستمر عسكر السلطان بظاهر حمص على حاله إلى أن وصلت التتار إليه في يوم الخميس رابع عشر شعبان فركب الملك المنصور بعساكره وصافف العدو والتقى الجمعان عيد طلوع الشمس وكان عدد التتار على ما قيل مائة ألف فارس أو يزيدون وعسكر المسلمين على مقدار النصف من ذلك أو أقل وتواقعوا من ضحوة النهار إلى آخره وعظم القتال بين الفريقين وثبت كل منهم. قال الشيخ قطب الدين اليونيني: وكانت وقعة عظيمة لم يشهد مثلها في هذه الأزمان ولا من سنين كثيرة وكان الملتقى فيما بين مشهد خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الرستن والعاصي واضطربت ميمنة المسلمين وحملت التتار على ميسرة المسلمين فكسروها وانهزم من كان بها وكذلك انكسر جناح القلب الأيسر وثبت الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله تعالى في جمع قليل بالقلب ثباتًا عظيمًا ووصل جماعة كثيرة من التتار خلف المنكسرين من المسلمين إلى بحيرة حمص وأحدق جماعة من التتار بحمص وهي مغلقة الأبواب وبذلوا نفوسهم وسيوفهم فيمن وجدوه من العوام والسوقة والغلمان والرجالة المجاهدين بظاهرها فقتلوا منهم جماعة كثيرة وأشرف الإسلام على خطة صعبة! ثم إن أعيان الأمراء ومشاهيرهم وشجعانهم: مثل سنقر الأشقر المقدم ذكره وبدر الدين بيسري وعلم الدين سنجر الدواداري وعلاء الدين طيبرس الوزيري وبدر الدين بيليك أمير سلاح وسيف الدين أيتمش السعدي وحسام الدين لاجين المنصوري والأمير حسام الدين طرنطاي وأمثالهم لما رأوا ثبات السلطان ردوا على التتار وحملوا عليهم حملات حتى كسروهم كسرة عظيمة وجرح منكوتمر مقدم التتار وجاءهم الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا في عربه عرضًا فتمت هزيمتهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة تجاوز الوصف واتفق أن ميسرة المسلمين كانت انكسرت كما ذكرنا والميمنة ساقت على العدو ولم يبق مع السلطان إلا النفر اليسير والأمير حسام الذين طرنطاي قدامه بالسناجق فعادت الميمنة الذين كسروا ميسرة المسلمين في خلق عظيم ومروا به وهو في ذلك النفر تحت السناجق - يعني الملك المنصور قلاوون - والكوسات تضرب. قال: ولقد مررت به في ذلك الوقت وما حوله من المقاتلة ألف فارس إلا دون ذلك فلما مروا به - يعني ميمنة التتار التي كانت كسرت ميسرة المسلمين - ثبت لهم ثباتًا عظيمًا ثم ساق عليهم بنفسه فانهزموا أمامه لا يلوون على شيء وكان ذلك تمام النصر وكان انهزامهم عن آخرهم قبل الغروب وافترقوا فرقتين: فرقة أخذت جهة سلمية والبرية وفرقة أخذت جهة حلب والفرات. ولما انقضى الحرب في ذلك النهار عاد السلطان إلى منزلته وأصبح بكرة يوم الجمعة سادس عشر رجب جهز السلطان وراءهم جماعة كثيرة من العسكر والعربان ومقدمهم الأمير بدر الدين بيليك الأيدمري وكان لما لاحت الكسرة على المسلمين نهب لهم من الأقمشة والأمتعة والخزائن والسلاح ما لا يحصى كثرة وذهب ذلك كله أخذته الحرافشة من المسلمين مثل الغلمان وغيرهم. وكتبت البشائر بهذا النصر العظيم إلى سائر البلاد وحصل للناس السرور الذي لا مزيد عليه وعملت القلاع وزينت المدن. وأما أهل دمشق فإنه كان ورد عليهم الخبر أولا بكسرة المسلمين ووصل إليهم جماعة ممن كان انهزم فلما بلغهم النصر كان سرورهم أضعاف سرور غيرهم. وكان أهل البلاد الشامية من يوم خرج السلطان من عندهم إلى ملتقى التتار وهم يدعون الله تعالى في كل يوم ويبتهلون إليه وخرج أهل البلاد بالنساء والأطفال إلى الصحارى والجوامع والمساجد وأكثروا من الابتهال إلى الله عز وجل في تلك الأيام لا يفترون عن ذلك حتى ورد عليهم هذا النصر العظيم ولله الحمد وطابت قلوب الناس ورد من كان نزح عن بلاده وأوطانه واطمأن كل أحد وتضاعف شكر الناس لذلك. وقتل في هذه الوقعة من التتار ما لا يحصى كثرة وكان من استشهد من عسكر المسلمين دون المائتين على ما قيل وممن قتل الأمير الحاج أزدمر وسيف الدين بلبان الرومي وشهاب الدين توتل الشهرزوري وعز الدين بن النصرة من بيت الأتابك صاحب الموصل وكان أحد الشجعان المفرطين في الشجاعة رحمهم الله تعالى أجمعين. ثم إن السلطان انتقل من منزلته بظاهر حمص إلى البحيرة التي بحمص ليبعد عن الجيف ثم توجه عائدًا إلى دمشق فدخلها يوم الجمعة الثاني والعشرين من شعبان قبل الصلاة وخرج الناس إلى ظاهر البلد للقائه فدخل دمشق وبين يديه جماعة من أسرى التتار وبأيديهم رماح عليها رؤوس القتلى من التتار فكان يومًا مشهودًا. ودخل السلطان الشام وفي خدمته جماعة من الأعيان منهم: سنقر الأشقر الذي كان تسلطن وتلقب بالملك الكامل وأيتمش السعدي والأمير علم الدين سنجر الدواداري وبلبان الهاروني ثم قدم بعد ذلك الأمير بدر الدين الأيدمري بمن معه من العسكر عائدًا من تتبع التتار بعد ما أنكى فيهم نكاية عظيمة ووصل إلى حلب وأقام بها وسير أكثر من معه يتبعونهم فهلك من التتار خلق كثير غرقوا بالفرات عند عبورهم وعندما عدوه نزل إليهم أهل البيرة فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا منهم جمعًا كثيرًا وتفرق جمع التتار وأخذت أموالهم. وأقام السلطان بدمشق إلى ثاني شهر رمضان خرج منه عائدًا إلى الديار المصرية وخرج الناس لوداعه مبتهلين بالدعاء له وسار حتى دخل الديار المصرية يوم ثاني عشرين الشهر بعد أن احتفل أهل مصر لملاقاته وزينت الديار المصرية زينة لم ير مثلها من مدة سنين وعملت بها القلاع وشق القاهرة في مروره إلى قلعة الجبل حتى طلع إليها فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة وتضاعف سرور الناس بسلامته وبنصر المسلمين على العدو المخذول. ثم إن السلطان عقيب دخوله إلى مصر قبض على الأمير ركن الدين إياجي الحاجب وبهاء الدين يعقوب مقدم الشهرزورية بقلعة الجبل. واستمر السلطان بمصر إلى خامس ذي القعدة من السنة قبض على الأمير أيتمش السعدي بقلعة الجبل وحبسه بها ثم أرسل إلى نائب دمشق بالقبض على الأمير بلبان الهاروني بدمشق فقبض عليه.
|